قادتني الظروف لحضور مشاهدة حية لحريق احد أقسام الشرطة وهو قسم "الشرابية" وكان ذلك يوم الجمعة الماضي وهو اليوم الذي شهد بداية اختفاء رجال الأمن، ففي هذا اليوم وفي تمام الساعة السادسة مساء، ومع إعلان قرار حظر التجول كنت متواجدا وسط مظاهرات ميدان التحرير لمتابعة الموقف هناك.
اقتحام قسم "الشرابية"
وكما اختفى رجال الأمن، اختفت أيضا وسائل المواصلات، فلم استطع العودة إلى منزلي بمنطقة جزيرة السلام، خاصة أن المسافة بعيدة عن ميدان التحرير، فقررت الذهاب إلي منزل أحد معارفي الموجود بـ"الشرابية" لسهولة الذهاب إليه "مُترجلاً"، وبالفعل أخذت طريقي إلى هناك، وبمجرد وصولي إلى المنطقة الموجودة بجوار محطة مترو "غمرة"، وجدت نفسي - في دقائق معدودة - محاصرا بآلاف من البشر المُسلحين بالأسلحة البيضاء وغير البيضاء، فتسمرت في مكاني أمام باب قسم "الشرابية" عند بدء المعركة.
الأسلحة وزجاجات المولوتوف
كان الموقف مخيفا بالفعل؛ فالضباط والعساكر يدافعون بكل قوة عن أرواحهم، بعد أن أغلقوا كل منافذ القسم، ووضعوا كتل حديدية أمام بابه وأخذوا مواقعهم لمنع عملية الاقتحام وقاموا بإطلاق النار على كل من يقترب من القسم، ولكنهم لم يصمدوا أكثر من ساعة واحدة، فقد زاد عدد من المقتحمين للقسم، ومنهم من كان يستخدم رشاشات وبنادق آلية، وسرعان ما اشتعلت النيران بالقسم بعدما أُلقي عليه زجاجات "المولوتوف" وعبوات البنزين.
كتلة نار
تحول القسم إلى كتلة نار في ثواني معدودة، وحاول من فيه النفاذ بجلودهم وبدأت عمليات نهب وسرقة كل محتويات القسم، فقد وجدت البعض يخرج بخزينة كبيرة وهي خزينة مأمور القسم، والبعض الأخر يخرج بأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التكييف، وهناك من خرج حاملا عدد من الكراسي، وكذلك الاستيلاء على الأسلحة الموجودة به، ووجدت عشرات المساجين يهرولون خارجين من القسم.
بعد مرور ما يقرب من 3 ساعات -وبعدما تحول القسم إلى خرابة- بدأ المقتحمون له -والذين كانوا يتدفقون إليه باستخدام الموتوسيكلات البخارية - في الانصراف، مُرددين عبارات الانتصار، ووقتها فقط بدأت أتحرك ببطء حتى أستكمل طريقي.
لماذا اشتعلت النيران في أقسام الشرطة؟
وأنا في طريقي إلى منزل أحد معارفي، راودني سؤالاً.. ما هي دوافع وأسباب إشعال الناس في أقسام الشرطة؟
ووجدت أن هناك فرصة لن تتكرر كثيرا للتعرف على الإجابة من عينة ممن قاموا بهذا الأمر بالفعل.
"أنا خدت بتاري من الضباط والأمناء، وكدا أنام وأنا مستريح" هكذا قال "تامر" -سائق ميكروباص ويقيم بالمنطقة عزبة "أبو حشيش"- وأوضح أن بعض أمناء الشرطة بالقسم كانوا غالبا ما يفرضون الإتاوات على السائقين حتى يسمحون لها بالمرور والعمل، مشيرا إلى انه تعرض لإهانة منذ عامين، ولكنه لم ينساها، فعندما رفض أن يدفع الإتاوة لأحد الأمناء ذات مرة، كان مصيره الضرب والسحل في الشارع أمام زملائه وأمام المارة.
خروج المساجين
وهناك ايضا من كان دافعه إلى تخريب القسم هو إخراج أقاربهم ومعارفهم من سجن القسم، ومنهم "شوقي" الذي أوضح أن أخيه محبوسا بالقسم بعد ضبطه وهو يتعاطى المخدرات قبل شهرين، وقال أن هذه الفرصة لن تتكرر حتى يستطيع فك حبس أخيه.
أوراق المحاضر
كما ذهب البعض لإشعال النار في أوراق المحاضر ومستندات تدينهم او تدين أقاربهم، وهذا ما قاله "عبدالكريم" الذي أراد أن يحرق احد الإحراز المتعلقة بقضية قتل هو متهم فيها، كما أن هناك من بين المقتحمين للقسم من وجد في الأمر فرصة للاستيلاء على الأسلحة الموجودة به، كما أن البعض قاموا بسرقة محتويات القسم، ووجدت أنهم مقتنعون أن هذا حقهم.
العلاقة بين الشرطي والمواطن
هذه بعض الاسباب والدوافع التي استمعت إليها من بعض المقتحمين لقسم "الشرابية"، واعتقد أنها نفس الدوافع التي أدت إلى إشعال النار في أقسام الشرطة، والتي وصل عددها إلى 20 قسما، والحقيقة أن أكثر الدوافع التي لفتت انتباهي هي مسألة قيام البعض بهذا الفعل لمجرد الأخذ بالثأر والانتقام لكرامتهم، وهو ما يجعلني أناشد كل قيادة أمنية تتولي المسئولية في هذه الفترة والفترة المقبلة أن يكون التعامل بين الشرطي والمواطن قائم على الاحترام وليس التخويف والسُلطاوية، حتى لا يشعر المواطن أن الشرطي عدوه، بل يجب أن يكون الإحساس بالإخوة والمسئولية متبادل بين الطرفين.